خطبة الجمعة

الحمد لله رب العالمين اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد : فأوصيكم ونفسى بتقوى الله عز وجل..فإنه من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].
عباد الله :

من المعلوم أن المال قوام الحياة المعيشية، وأساس تقدم المجتمعات ومن أسباب النهوض بها لذا صانه الإسلام، وجعل تحرُّكه وانتقاله بين الناس مرهونًا بالحق والعدل، فلا غشَّ ولا غبن، ولا ظلم ولا استغلال ولا اغتصاب، ولا يجوز لأحد أن يأخذ مال أحد إلا بإذنه ورضاه
ولما كانت الأموال عزيزة عند أهلها – قال الله عز وجل: ﴿ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ * إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ ﴾ [محمد: 37]، فقوله عز وجل: ﴿ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ ﴾، معناه: “ولا يسألكم ربكم أموالكم لأنه (كما قال المفسرون) أن الله – عز وجل – لا يريد أن يكلفكم ما يشق عليكم، ويعنتكم من أخذ أموالكم، وبقائكم بلا مال، أو ينقصكم نقصًا يضركم ، فتأمل كيف حرص الشارع على حفظ الأموال وصيانتها؛ لأن الأموال تقوم بها ( كما هو معلوم) أمور الدين، وأمور الدنيا
ولعل مما يؤكد حفظ الشارع للأموال وتحريمها، وعدم جواز أخذها إلا بطيب نفس صاحبها: ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطب الناس يوم النحر، فقال: (يا أيها الناس، أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام، قال: فأي بلد هذا؟ قالوا: بلد حرام، قال: فأي شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، فأعادها مرارًا)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – وفيه -: (( كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه))
ولذلك يعد المال أحد تلك الضروريات الخمس التي جاءت الشريعة الإسلامية بوجوب حمايتها ودرء المفاسد عنها، وما ذلك إلا لما في التفريط فيها من الفساد العظيم، والإثم الكبير، والشر المستطير، والخطر الأكيد، والعواقب الوخيمة، بل سعى الشارع إلى المحافظة عليه بأقوم الطرق وأعدلها، وأعظمها وأنفعها، فمنع أخذه بغير حق شرعي، ووجه معتبر، فنرى – مثلاً – أن الله عز وجل قد نهانا أن نأكل أموال بعضنا بالباطل، وبدون وجه حق، فقال الله عز وجل في سورة النساء :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) .. إذ ينهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضا بالباطل، أي: بأنواع المكاسب المحرمة والتي هي غير شرعية ..
وأكل أموال الناس بالباطل له صور متعددة في معاملاتنا منها الربا والقمار واكتساب المال بالغش في البيع والتجارة أو بالكذب أو بالرشوة أو بالإتجار في المحرمات أو بالإستيلاء على حقوق الورثة وبالسرقة والغصب والخيانة والظلم وغيرها .
فكل من استولى على أموال الغير بطرق محرمة أو في سلع محرمة فهو آكل أموال اللناس بالباطل روى البخاري في صحيحه، عَنْ خَوْلَةَ الأَنْصَارِيَّةِ رضى الله عنها قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ( إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِى مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
عباد الله :
لقد كثرت في المحاكم الخصومات والقضايا والمشكلات بسبب المظالم وأكتظت السجون بأصحاب الشيكات المرتدة والصكوك المزورة وقضايا النهب والإحتيال ومن الناس من يعلم أنه هو الظالم ويريد الانتصار على خصمه وأخذ حقه وربما غلب بالحجة وقضى له القاضي بمال أخيه على نحو ما ظهر له، فلا يظن أحد أن حكم القاضي يحل الحرام أو يحرم الحلال لأن القاضي ليس له إلا الظاهر بما يسمع من الخصمين وأما الباطن فهو إلى الله هو الذي يحكم به يوم تبلى السرائر..
عباد الله :
إن من أسكن الحياة الدنيا في قلبه أصبحت هي همه وغايته فسيعمى عن الآخرة وستتشعب به الهموم ويهلك في أوديتها بين شبهاتها وشهواتها وسيكون عبداً للمال يوجهه المال إلى جمعه والجشع فيه والشح وسيبيع آخرته بدنياه ولكن من أسكن الآخرة قلبه وجعل همه لها فسيرى ببصيرته أن هذه الدنيا متاع قليل وإنها دار من لادار له ومال من لامال له ويجمعها من لاعقل له وإنها السحارة التي تسحر القلوب وإنها لعب ولهو وزينة وإن ما عند الله هو خيراً وأعظم أجراً، فما قل وكفى خير مما كثر وألهى ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب، فكونوا يا عباد الله من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا لأن الدنيا والآخرة ضرتان لا تجتمعان في قلب وحد
أيها العمال والموظفون، أيها التجار والصناع، أيها السماسرة والمقاولون أيها المسلمون والمسلمات، إن عليكم تحري الحلال والبعد عن المشتبه، احفظوا حقوق الناس، أنجزوا لهم أعمالهم، أوفوا بالعقود والعهود، اجتنبوا الغش والتدليس، والمماطلة والتأخير، اتقوا الله جميعاً، فالحلال طيب ينير القلوب، وتنشط به الجوارح، وتصلح به الأحوال، وتصحُّ به الأجسام، ويستجاب معه الدعاء.
اللهم يا عظيمَ العفوِ، يا واسِعَ المغفرة، يا قريبَ الرحمة، هَبْ لنا من لدُنك مغفرةً ورحمةً، وأسعِدنا بتقواك، واجعلنا نخشاك كأننا نراك يا أرحم الراحمين ‘ اللهم ارحم موتانا، وعافِ مُبتلانا، واشفِ مرضانا، وانصُرنا على مَن عادانا يا ربَّ العالمين.
عباد الله:.
اذكروا الله العظيمَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين .. وأقم الصلاة
.

أضف تعليق