خطبة الجمــــعة

إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله، فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل الله فلا هادي له.. وأشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له في سلطانه ولي الصالحين . وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا وحبيبنا وشفيعنا وأستاذنا ومعلمنا محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها محمد صلَّىَّ الله عليْه وسلَّم القائل : “رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى”(البخاري). وسئل رسول الله”عن أطيب الكسب؟ فقال: “عمل الرجل بيده, وكل بيع مبرور”(أحمد والبزار).
أما بعد أيها المسلمون :

” وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا “(البقرة: 275) . أحل الله البيع لأنه يعتمد علي الجد والاجتهاد والسعي وطلب الحلال .. وحرم الله الربا لأنه يعتمد علي الكسل والبطالة واللكاعة والكسب الحرام والبيع الحرام ..
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن الحلال أم من حرام” [البخاري ] وهذا والله للأسف الشديد هو حالنا الآن .
أخوة الإيمان والإسلام :
لقد وضع الإسلام للبيع شروطاً وأداباً لابد للتاجر أن يتحلي بها حتى يكون كسبه حلال ومطعمه حلال وغذي بالحلال.. فحري أن يستجاب له .
روى البخاري و ابن ماجة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى” . فالسماحة في البيع والشراء هدي نبوي تربوي فيه خير كثير، تربى عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن اقتفى أثرهم، وهذا النوع من التربية مفقود في واقعنا الذي نعيشه ولعلكم ترون في أسواقنا الآن غياب السماحة بين البائع والمشتري إذ يمكن للبيعة أن تفشل من أجل مبلغ تافه زهيد.
عباد الله :
ينبغي للبائع أن يتحلى ببعض الآداب والصفات التي أمرنا بها ديننا الحنيف ومنها كما ذكرنا آنفاً السماحة في البيع والشراء ويقصد بها مسامحة الشخص في البيع والشراء، كأن يكون لين الجانب، خفيض الجناح، لقد أصبح البائع يعرض سلعته بأغلى الأثمان، يريد بذلك عند المساومة إنزال بعض هذا السعر، لكنه يتعنت أشد التعنت في أول الأمر، فإذا غلب على ظنه أن المشتري سوف يفلت منه نزل بالسعر نزولاً يوحي بأنه كاذب وغاش وليس صادقاً في بيعه وشرائه، وكلنا قد مررنا بتجربة أن يقول لك البائع أن ثمن السلعة مائة جنيه فتشتريها منه بعشرين وهذا يتنافى مع السماحة التي دعا النبي عليه الصلاة والسلام لأهلها
أخوة الإيمان :
ومن آداب البيع والشراء الصدق في المعاملة فقد دعا الإسلام إلى التجارة وقال :”تسعة أعشار الرزق في التجارة ” ولكنه قد نهى عن العمل في التجارة مثلاً بالكذب والغش والطمع والأنانية فنجد الرسول يقول :” التاجر الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء “( الترمذي والحاكم). بأن لا يكذب في إخباره عن نوع البضاعة ونفاستها ونحوه ..
ويقول :” إن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا وإذا ائتمنوا لم يخونوا وإذا وعدوا لم يخلفوا وإذا اشتروا لم يذموا وإذا باعوا لم يمدحوا وإذا كان عليهم لم يمطلوا وإذا كان لهم لم يعسروا”( الترمذي).
أما حين يفجر التاجر نجد أن الرسول يقف له بالمرصاد فيقول :”إن التجار هم الفجار قيل ولما يا رسول الله أليس قد أحل الله البيع قال بلى ولكنهم يحدثون فيكذبون ويحلفون فيأثمون”(صحيح الجامع ).
أخوة الإيمان :
ومن آداب البيع والشراء عدم الحلف ولو كان صادقًاً وهذه قد أبتلينا بها إبتلاء عظيماً كما ترون (خاصة في تجارة العقاروالعربات) فمن آداب البيع والشراء ودلائل الصدق فيه عدم الإكثار من الحلف؛ بل عدم الحلف مطلقًا؛ لأن في ذلك امتهانًا لاسم الله -تعالى-، قال تعالى-:”وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ “[البقرة: 224]. ويحذر الرسول التجار من كثرة الحلف :”خاب وخسر المنفق سلعته بالحلف الكاذب “ويقول :”ويل للتاجر من بلي والله ولا والله” (الطبراني).
وقال صلى الله عليه وسلم: ”من حلف على يمين وهو فيها فاجر ليقطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان” (البخاري)•
أخوة الإيمان :
ومن آداب البيع والشراء النهي عن الخداع والتدليس والخداع المحرَّم في البيع أن يُخفِي البائع شيئًا في السلعة لو أطلع عليه المشتري لم يشترها بذلك الثمن، وقد إنتشر للأسف أيضاً بيننا هذا الأمر فما من شيئ يراد بيعه كعربة أو عقار ونحوهما إلا تم إخضاعه إلى (سمكرة وبوهيو وجير) حتى يتم إخفاء عيوبه ويبدو بغير ما هو عليه وهذا بلا شك تمويه وتدليس وخداع .
أخوة الإيمان :
ومن آداب البيع والشراء عدم الغش فالغشُّ آفةٌ يَطُول ضررُها الجميع، فالغشَّاش شخص همُّه تحصيل المال على حِساب غيره، فالطمع حَجَبَ عقله، فلا ينظر إلا للمَكاسِب التي حصَل عليها والتي يسعى للحصول عليها، ولا يَلتَفِت إلى ضحاياه الذين أرداهم غشُّه لا يلتَفِت إلى جنايته على المجتمع، وكيف أصبح أداةَ إفسادٍ فيه، الغشَّاشون كُثُر ومجالات الغشِّ مختلفة، وقد إمتلأت الأسواق بالسع الفاسدة المغشوشة كزيوت الطعام وغيرها وما هذه (السرطانات) المنتشرة الآن إلا بسبب ذلك وقانا الله وأياكم .
أخي المسلم التاجر كن من الأبرار ولاتكن من الفجار…وأدخل الجنة من باب التجارة…وكن كما قال ابن عمر: “كالتاجر الأمين الصدوق المسلم من الشهداء يوم القيامة”.وكما قال ابن عباس بلفظ: “التاجر الصدوق لا يحجب من أبواب الجنة”….اللهم لاتحجبنا عن الجنة .أمين
وأذكر نفسي وإياكم بما جاء عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال :” لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس”.(الترمذي).
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ … أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم ، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله ..
كسرة :
هسه يقولو ليك التجارة شطارة … فتأمل !

أضف تعليق